فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

السفه الخفة يقال: سفهت الريح الشيء إذا حركته، قال ذو الرمة:
جرين كما اهتزت رياح تسفهت ** أعاليها مر الرياح الرواسم

وقال أبو تمام الطائي:
سفيه الرمح جاهله إذا ما ** بدا فضل السفيه على الحليم

أراد به سريع الطعن بالرمح خفيفه، وإنما قيل لبذيء اللسان سفيه؛ لأنه خفيف لا رزانة له وقال تعالى: {وَلاَ تُؤْتُواْ السفهاء أموالكم التي جَعَلَ الله لَكُمْ قياما} [النساء: 5] وقال عليه السلام: «شارب الخمر سفيه» لقلة عقله وإنما سمي المنافقون المسلمين بالسفهاء؛ لأن المنافقين كانوا من أهل الخطر والرياسة، وأكثر المؤمنين كانوا فقراء، وكان عند المنافقين أن دين محمد صلى الله عليه وسلم باطل، والباطل لا يقبله إلا السفيه؛ فلهذه الأسباب نسبوهم إلى السفاهة ثم إن الله تعالى قلب عليهم هذا اللقب وقوله الحق لوجوه:
أحدها: أن من أعرض عن الدليل ثم نسب المتمسك به إلى السفاهة فهو السفيه.
وثانيها: أن من باع آخرته بدنياه فهو السفيه.
وثالثها: أن من عادى محمدًا عليه الصلاة والسلام فقد عادى الله، وذلك هو السفيه. اهـ.

.قال القرطبي:

ويقال: إنّ السّفه أنْ يكثر الرجل شرب الماء فلا يروى. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {أنؤمن كما آمن السفهاء} استفهام للإنكار، قصدوا منه التبرئ من الإيمان على أبلغ وجه، وجعلوا الإيمان المتبرأ منه شبيهًا بإيمان السفهاء تشنيعًا له وتعريضًا بالمسلمين بأنهم حملهم على الإيمان سفاهة عقولهم، ودلوا على أنهم علموا مراد من يقول لهم {كما آمن الناس} أنه يعني بالناس المسلمين.
والسفهاءُ جمع سفيه وهو المتصف بالسفاهة، والسفاهة خفة العقل وقلة ضبطه للأمور قال السموأل:
نَخاف أن تَسْفَهَ أحلامُنَا ** فَنَخْمل الدهرَ مع الخامل

والعرب تطلق السفاهة على أفن الرأي وضعفه، وتطلقها على سوء التدبير للمال.
قال تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} [النساء: 5] وقال: {فإن كان الذي عليه الحق سفيهًا أو ضعيفًا} [البقرة: 282] الآية لأن ذلك إنما يجئ من ضعف الرأي.
ووصفهم المؤمنين بالسفاهة بهتان لزعمهم أن مخالفتهم لا تكون إلا لخفة في عقولهم، وليس ذلك لتحقيرهم، كيف وفي المسلمين سادة العرب من المهاجرين والأنصار.
وهذه شنشنة أهل الفساد والسفه أن يرموا المصلحين بالمذمات يهتانًا ووقاحة ليلهوهم عن تتبع مفاسدهم ولذلك قال أبو الطيب:
وإذا أتتْكَ مَذمَّتي من ناقص ** فهي الشهادةُ لي بأني كامل

وليس في هاته الآية دليل على حكم الزنديق إذا ظهر عليه وعرفت زندقته إثباتًا، ولا نفيًا لأن القائلين لهم {آمنوا كما آمن الناس} هم من أقاربهم أو خاصتهم من المؤمنين الذين لم يفشوا أمرهم فليس في الآية دليل على ظهور نفاقهم للرسول بوجه معتاد ولكنه شيء أطلع عليه نبيئه، وكانت المصلحة في ستره، وقد اطّلع بعض المؤمنين عليه بمخالطتهم وعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم الإعراض عن إذاعة ذلك فكانت الآية غير دالة على حكم شرعي يتعلق بحكم النفاق والزندقة. اهـ.

.قال الفخر:

إنما قال في آخر هذه الآية: {لاَّ يَعْلَمُونَ} وفيما قبلها: {لاَّ يَشْعُرُونَ} لوجهين:
الأول: أن الوقوف على أن المؤمنين على الحق وهم على الباطل أمر عقلي نظري، وأما أن النفاق وما فيه من البغي يفضي إلى الفساد في الأرض فضروري جار مجرى المحسوس.
الثاني: أنه ذكر السفه وهو جهل، فكان ذكر العلم أحسن طباقًا له والله أعلم. اهـ.

.قال الألوسي:

{أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السفهاء ولكن لاَّ يَعْلَمُونَ} رد وأشنع تجهيل حسبما أشير إليه فيما سلف، وإنما قال سبحانه هنا: {لاَّ يَعْلَمُونَ} وهناك {لاَّ يَشْعُرُونَ} [البقرة: 12] لأن المثبت لهم هناك هو الإفساد وهو مما يدرك بأدنى تأمل ولا يحتاج إلى كثير فكر، فنفى عنهم ما يدرك بالمشاعر مبالغة في تجهيلهم، والمثبت هنا السفه والمصدر به الأمر بالإيمان وذلك مما يحتاج إلى نظر تام يفضي إلى الإيمان والتصديق ولم يقع منهم المأمور به فناسب ذلك نفي العلم عنهم، ولأن السفه خفة العقل والجهل بالأمور على ما قيل فيناسبه أتم مناسبة نفي العلم، وهذا مبني على ما هو الظاهر في المفعول وعلى غير الظاهر غير ظاهر فتدبر. اهـ.

.قال في روح البيان:

وفي التأويلات النجمية: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} أي: لأهل الغفلة والنسيان {ءَامِنُوا كَمَا ءَامَنَ النَّاسُ} أي: بعض الناسين منكم الذين تفكروا في آلاء الله تعالى وتدبروا آياته بعد نسيان عهد ألست بربكم ومعاهدة الله تعالى على التوحيد والعبودية فتذكروا تلك العهود والمواثيق فآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلّم وبما جاء به {قَالُوا} أي: أهل الشقاوة منهم {أَنُؤْمِنُ كَمَا ءَامَنَ السُّفَهَاءُ} فكذلك أحوال أصحاب الغفلات مدعي الإسلام إذا دعوا عن الإيمان التقليدي الذي وجدوه بالميراث إلى الإيمان الحقيقي المكتسب بصدق الطلب وترك محبة الدنيا واتباع الهوى والرجوع إلى الخلق والتمادي في الباطل ينسبون أرباب القلوب وأصحاب الكرامات العالية إلى السفه والجنون وينظرون إليهم بنظر العجز والذلة والقلة والمسكنة ويقولون أنترك الدنيا كما ترك هؤلاء السفهاء من الفقراء لنكون محتاجين إلى الخلق كما هم محتاجون ولا يعلمون أنهم هم السفهاء لقوله تعالى: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِن لا يَعْلَمُونَ} فهم السفهاء بمعنيين أحدهما: أنهم يبيعون الدين بالدنيا والباقي بالفاني لسفاهتهم وعدم رشدهم والثاني: أنهم سفهوا أنفسهم ولم يعرفوا حسن استعدادهم للدرجات العلى والقربة والزلفى فرضوا بالحياة الدنيا ورغبوا عن مراتب أهل التقى ومشارب أهل النهي كما قال الله تعالى: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: 130] فإنه من عرف نفسه فقد عرف ربه ومن عرف ربه ترك غيره وعرف أهل الله وخاصته فلا يرغب عنهم ولا ينسبهم إلى السفه وينظر إليهم بالعزة فإن الفقراء الكبراء هم الملوك تحت الأطمار ووجوههم المصفرة عند الله كالشموس والأقمار ولكن تحت قباب العزة مستورون وعن نظر الأغيار محجوبون. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{ألا إِنَّهُمْ هُمُ السفهاء ولكن لاَّ يَعْلَمُونَ}.
أتى بما يقابل جفاء طبعهم انتصارًا للمؤمنين، ولولا جفاء قولهم: {أنؤمن كما آمن السفهاء} لما تصدى القرآن لسبابهم مع أن عادته الإعراض عن الجاهلين ولكنهم كانوا مضرب المثل: قُلتَ فأَوْجَبْتَ، ولأنه مقام بيان الحق من الباطل فتحسن فيه الصراحة والصرامة كما تقرر في آداب الخطابة، وأعلن ذلك بكلمة ألاَ المؤذنة بالتنبيه للخبر، وجاء بصيغة القصر على نحو ما قرر في: {ألا إنهم هم المفسدون} [البقرة: 12] ليدل على أن السفاهة مقصورة عليهم دون المؤمنين فهو إضافي لا محالة.
وإذا ثبتت لهم السفاهة انتفى عنهم الحِلم لا محالة لأنهما ضدان في صفات العقول.
إِنَّ هنا لتوكيد الخبر وهو مضمون القصر وضمير الفصل لتأكيد القصر كما تقدم آنفًا.
وأَلا كأختها المتقدمة في: {ألا إنهم هم المفسدون}.
وقوله: {ولكن لا يعلمون} نفى عنهم العلم بكونهم سفهاء بكلمة {يعلمون} دون يشعرون خلافًا للآيتين السابقتين لأن اتصافهم بالسفه ليس مما شأنه الخفاء حتى يكون العلم به شُعورًا ويكونَ الجهل به نفيَ شُعور، بل هو وصف ظاهر لا يخفى لأن لقاءهم كل فريق بوجه واضطرابهم في الاعتماد على إحدى الخَلَّتين وعدم ثباتهم على دينهم ثباتًا كاملًا ولا على الإسلام كذلك كافَ في النداء بسفاهة أحلامهم فإن السفاهة صفة لا تكاد تخفى، وقد قالت العرب: السفاهة كاسمها، قال النابغة:
نُبئْتُ زرعة والسفاهةُ كاسمها ** يُهدى إليّ غَرائبَ الأشعار

وقال جَزْءُ بن كلاب الفَقْعَسي:
تَبَغّى ابنُ كُوز والسَّفَاهَة كاسمها ** لِيَسْتَادَ مِنَّا أَنْ شَتَوْنَا لَيَالِيا

فظنهم أن ما هم عليه من الكفر رُشد، وأن ما تقلده المسلمون من الإيمان سَفَه يدل على انتفاء العلم عنهم.
فموقع حرف الاستدراك لدفع تعجب من يتعجب من رضاهم بالاختصاص بوصف السفاهة. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ}.
الإشارة منها أن المنافقين لما دُعُوا إلى الحق وصفوا المسلمين بالسَّفَه، وكذلك أصحاب الغنى إذا أُمِروا بِتَرْكِ الدنيا وصفوا أهل الرشْد بالكسل والعجز، ويقولون إن الفقراء ليسوا على شيء، لأنه لا مال لهم ولا جاه ولا راحة ولا عيش، وفي الحقيقة هم الفقراء وهم أصحاب المحنة؛ وقعوا في الذل مخافة الذل، ومارسوا الهوان خشية الهوان، شيَّدوا القصور ولكن سكنوا القبور، زيَّنوا المهد ولكن أُدرجوا اللحد، ركضوا في ميدان الغفلة ولكن عثروا في أودية الحسرة، وعن قريب سيعلمون، ولكن حين لا ينفعهم علمهم، ولا يغني عنهم شيء.
سوف ترى إذا انجلى الغبارُ ** أَفَرَسٌ تَحْتَكَ أم حمارُ

.من فوائد ابن الجوزي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {وإذا قيل لهم آمنوا} في المقول لهم قولان:
أحدهما: أنهم اليهود، قاله ابن عباس، ومقاتل.
والثاني: المنافقون، قاله مجاهد، وابن زيد.
وفي القائلين لهم قولان:
أحدهما: أنهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قاله ابن عباس، ولم يعيّن أحدًا من الصحابة.
والثاني: أنهم معينون، وهم سعد بن معاذ، وأبو لبابة، وأسيد، ذكره مقاتل.
وفي الإِيمان الذي دعوا إليه قولان:
أحدهما: أنه التصديق بالنبي، وهو قول من قال: هم اليهود.
والثاني: أنه العمل بمقتضى ما أظهروه، وهو قول من قال: هم المنافقون.
وفي المراد بالناس هاهنا ثلاثة أقوال:
أحدها: جميع الصحابة، قاله ابن عبَّاس.
والثاني: عبد الله بن سلام، ومن أسلم معه من اليهود، قاله مقاتل.
والثالث: معاذ بن جبل، وسعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وجماعة من وجوه الأنصار، عدهم الكلبي.
وفيمن عنوا بالسفهاء ثلاثة أقوال:
أحدها: جميع الصحابة، قاله ابن عبَّاس.
والثاني: النساء والصبيان، قاله الحسن.
والثالث: ابن سلام وأصحابه، قاله مقاتل.
وفيما عنوه بالغيب من إِيمان الذين زعموا أنهم السفهاء ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم أرادوا دين الإِسلام، قاله ابن عباس، والسُّدي.
والثاني: أنهم أرادوا البعث والجزاء، قاله مجاهد.
والثالث: أنهم عنوا مكاشفة الفريقين بالعداوة.
من غير نظر في عاقبة، وهذا الوجه والذي قبله يخرج على أنهم المنافقون، والأول يخرج على أنهم اليهود.
قال ابن قتيبة: والسفهاء: الجهلة، يقال: سفه فلان رأيه إذا جهله، ومنه قيل للبذاء: سفه، لأنه جهل.
قال الزجاج: وأصل السَّفه في اللغة: خفة الحلم، ويقال: ثوب سفيه: إِذا كان رقيقًا باليًا، وتسفهت الريح الشجر: إذا مالت به.
قال الشاعر:
مشين كما اهتزت رماح تسفَّهت ** أعاليَها مرُّ الرياح النواسم

قوله تعالى: {ولكنْ لا يعلَمون}.
قال مقاتل: لا يعلمون أنهم هم السفهاء. اهـ.

.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ءَامِنُواْ كَمَا ءَامَنَ الناس}.
قال الفخر الخطيب: بدأ بالنهى عن الفساد لأنه راجع لدفع المؤلم ثم عقبه بالأمر بالإيمان لرجوعه إلى جلب المصالح، لأن دفع المفاسد آكد من جلب المصالح.
قال ابن عرفة: والآية عندي حجة لمن يقول: إنّ النظر واجب بالعقل إذ لو كان واجبا بالشرع لما كلفوا بالإيمان بل كانوا يكلفون بالنظر.
فإن قلت: ليس هذا بأول تكليفهم فلعلهم كلّفوا به بخطاب آخر قبل هذا؟ قلنا: الآية خرجت مخرج ذمّهم والذّم الأغلب فيه أنه إنما يقع على المخالفة في الأصل لا في الفرع.
قال ابن عرفة: ولكن يمكن أن يجاب عنه بوجهين:
الأول: أن الآية خرجت مخرج التقسيم بين الشيء وضدّه.
والإيمان نقيض الكفر، وليس بينهما اشتراك، والنظر لا يناقض الكفر لأنه يكون صحيحا ويكون فاسدا، فقد ينظر المكلف فيهتدي، وقد ينظر فيضل.
فالنظر اشتراك بين الكفر والإيمان فلأجله لم يقل: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ انظروا كما نظر الناس، لأنّه لا يدل صريحا على تكليفهم بالنظر الصحيح.
الثاني: إن النفوس مجبولة على النظر في غرائب الأمور فلو كلفوا بالنظر لأشبه ذلك تحصيل الحاصل.
قيل لابن عرفة: أو يجاب بأن تكليفهم بالإيمان وذمهم على عدمه يستلزم تكليفهم بالنظر.
قال: والكاف منهم من جعلها نعتا لمصدر محذوف أي إيمانا شبيها بإيمان الناس والمشبه بالشيء والمشبه بالشيء لا يقوى قوته، ففيه حجة لمن يقول: إن الإيمان يزيد وينقص فكلفوهم بتحصيل أقل ما يكفي منه، فلم يقبلوا ذلك.
قال أبو حيان: ومنهم من أعربه حالا من الإيمان أي آمنوا الإيمان كما آمن الناس لأن الإيمان المقدر يعرف بالألف واللام.
قال ابن عرفة: ولا يحتاج إلى هذا لأن سيبويه قال في قوله تعالى: {فَمَهِّلِ الكافرين أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} إن رُوَيدا حال من المصدر المقدر وهو إمهال وصحّ إتيانها منه وإنْ كان نكرة لأنه لما ينطق به أشبه المضمر في المعرفة، فكذلك يكون هذا.
قوله تعالى: {أَنُؤْمِنُ كَمَا ءَامَنَ السفهاء ألا إِنَّهُمْ هُمُ السفهاء}.
أجابوا بعدم الامثتال مع ذكر الموجب لذلك، فأما أن يريدوا بالسفهاء المؤمنين فيكون جرأة منهم ومباهتة: أي أنتم سفهاء ضعفاء فلا نتبعكم، أو لم يقصدوا أعيان المؤمنين بل قالوا هذا على سبيل المبالغة والجدل فيقول لهم المؤمنون على: هذا نعم، نقول بموجبه: ونحن لم نأمركم بإيمان السّفهاء فلسنا بسفهاء، وعلى الأول لا يحسن أن يقول لهم ذلك المؤمنون لأنهم مباهتون ويقولون: أنتم هم السفهاء.
قال الزمخشري: وإنما أطلقوا عليهم ذلك باعتبار الغالب لأن أتباع النبي صلّى الله عليه وسلم في أول الإسلام كان أكثرهم فقراء.
قيل لابن عرفة: إنما كان هذا في المدينة.
قال: كان أكثر المهاجرين معه فقراء.
قال الزمخشري: وختمت الآية بقوله: {ولكن لاَّ يَعْلَمُونَ} وتلك {لاَّ يَشْعُرُونَ} إما لأن الفساد في الأرض أمر محسوس فناسب الشعور الذي هو أوائل الإدراك والإيمان معنوي يناسب العلم، وإما لتقدم السفه وهو جهل، فناسب ذكر العلم طباقا.
قال ابن عرفة وانظر هل فيها دليل على أن التقليد كاف لقوله: {آمِنُواْ كَمَا ءَامَنَ الناس}.
الظاهر أنه ليس فيها دليل لأن المراد: انظروا لتؤمنوا كما آمن الناس لأن الأمر بالإيمان أمر بما هو من لوازمه، ومقدماته، ومفعول {يعلمون} إما عاقبة أمرهم أو المراد لا يعلمون صحة ما أمروا به أو لا يعلمون علما نافعا، وحذف المفعول قصدا لهذا العموم.
قال ابن عرفة: وفي هذه آيتان، آية من الله تعالى بعلمه ذلك مع أنهم أخفوه: وآية أخرى بإعلامه به محمدا صلى الله عليه وسلم. اهـ.